مرافعة مدنية عن البدو الرحل
وكالة تحول الزراعة والثروة الحيوانية - مناقشة جماعية مع مجموعات الرعاة (25 أغسطس 2021):
"ما قضية جنود الدعم السريع؟ بحاربوا لشنو؟" ، "الناس ديل ما عندهم عقيدة" ، "ماذا تعني لا للحرب؟ " ، "ما العمل؟"
تأتي هذه الكتابة كمناجاة ورحلة تأملية للشهادة على واقع تجربتي في العمل مع الحكومة الانتقالية الثانية (حكومة اتفاقية جوبا) ، ومحاولتي الحالية لاستنطاق الإجابات على هذه الأسئلة من واقع تلك التجربة واستشراف لنفاج سياسي يخرجنا من هذه الحلقة الشريرة. وحيث ما اختلط الحق بالباطل فسأتحرى صراط اجتناب الكذب. هذا ما قرأت، وما رأيت ، وما سمعت، وكيف فكرت.
عملت كخبير برامج زراعة ونظم غذاء من ضمن فريق عمل من 7 أشخاص كوّنه تحالف ما بين منظمة الزراعة والغذاء (FAO) وبرنامج الغذاء العالمي (WFP)، لإنفاذ مبادرة اطلقها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مارس 2021 بإدارة عملية تصميم وانشاء ما أصطلح عليها لاحقا باسم "وكالة تحول الزراعة والثروة الحيوانية" المعنية بتحفيز وتسريع وتحقيق النمو والتحول المستدام لقطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والنظم الغذائية في السودان من خلال إدخال حلول مبتكرة لمعالجة العقبات الهيكلية، والتنسيق بين المؤسسات والفاعلين بتبني نهج عمل متعدد القطاعات.
عمل فريقنا تحت اشراف لجنة تسييرية كونها رئيس الوزراء، جمعت كل من وزير الزراعة والغابات، وزير الثروة الحيوانية، وزير الري والموارد المائية، وزير شئون مجلس الوزراء، ومستشار رئيس الوزراء للشراكات الدولية. كانت مهمتنا هي إدارة عملية الحوار بين أصحاب المصلحة لجمع المعلومات وتحليلها وتقديم الخيارات الفنية للتصميم المؤسسي للجنة التسييرية، هدف المؤسسة، موقعها من جهاز الدولة، مميزاتها، هيكلتها وإدارتها، تكاليفها وادوارها، وعلاقاتها مع بقية أجهزة الدولة، بالإضافة الى خيارات التأسيس القانوني، وتحديد أولوياتها على مدى 3-5 سنوات، وخطة عمل للعام 2022. كانت تجربة ثرية رأيت فيها العجب العجاب وربما يلزمني الجلوس مع أولي العلم حتى أجد الكلمات للأنماط التي لاحظت وسجلت وفهمت وحفظت. سأعود في معرض حديث آخر بكتابات عن أرائي وافكاري بخصوص النهج الذي اتبعناه في تأسيس الوكالة، "فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
بدأ العمل في يوليو بإطار زمني قدره 6 أشهر حتى إطلاق المؤسسة. بدأت المباحثات بين أصحاب المصلحة حسب الخطة الموضوعة بداية بأجهزة الدولة من الوزارات الإتحادية الرئيسية ; الزراعة والثروة الحيوانية والري، بالإضافة للوزارات الاتحادية المرتبطة; المالية, والبنى تحتية، والصناعة، والتجارة، والاستثمار، والتعليم العالي والمراكز البحثية ، الصحة، والعمل، والعدل...الخ، ومروراً بالوزارات الولائية المرتبطة. انتقلت بعد ذلك المداولات لتشمل القطاع الخاص، وتنظيمات المجتمع المدني، والبنوك، وشركاء التنمية، والمؤسسات متعددة الأطراف، والمنظمات.
بتاريخ 25 أغسطس 2021 كان الفريق قد تباحث في شأن الوكالة وراكم مدخلات زهاء ال 60 مؤسسة مختلفة معنية بقطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والنظم الغذائية، وكان اليوم مخصصا لتنظيمات الرعاة. قمت بدعوة 22 ممثل من 16 تنظيم ومؤسسة ومنظمة ومركز أبحاث معنيين بقضايا الرعاة والثروة الحيوانية. قام فريقنا باستعراض المبادرة والمنهج المتبع في بناء المؤسسة: بالإضافة الى ما توصلت اليه النقاشات الموسعة داخل وخارج أجهزة الدولة حتى تلك اللحظة; اهداف، هيكلة، خصائص مؤسسية، ومجالات تكليف، واولويات محتملة. إحدى أولى المداخلات جاءت من شاب متقد، سريع البديهة، وواسع المعرفة والاطلاع; إبراهيم الضي إبراهيم، ممثل المنظمة الشبابية للسلام والتنمية المستدامة/تنسيقية الرحل/إقليم دارفور. حكى أبراهيم لنا قصة حضورهم لحفل إطلاق استراتيجية زراعية في عهد الكيزان قدمها أحد البروفيسرات (ذكر إبراهيم التفاصيل ونسيتها انا، ولكن اظنه البرنامج الخماسي للإصلاح الاقتصادي 2015). وبعد حضور استعراض البروف ذو ال3 ساعات والفخور بإنجازهم، طلب إبراهيم المشاركة سائلاً البروف "نحن مجتمعات الرحل لم نذكر في هذه الاستراتيجية!" فكان رد البروف: "آسف، نسيناكم". ثم طلب منا إبراهيم بهدوء وابتسامه ساخرة تعديل عنوان الجلسة .
قمت انا شخصيا بتعديل العنوان:
وكالة تحول الزراعة والثروة الحيوانية - مناقشة جماعية مع مجموعات الرعاة "والرحل" (25 أغسطس 2021)
تتالت المداخلات بعد ذلك حتى عاد إبراهيم مرة أخرى معبرا عن الغياب التاريخي لمجتمعات الرحل عن إستراتيجيات الدولة السودانية التنموية بالرغم من مشاركتهم الاقتصادية الكبيرة، وشارحا خطورة غياب الخدمات الأساسية مثل المياه والبنى التحتية والتعليم على استقرار السلم والأمن المجتمعي.
ادناه بعض النقاط والاقتباسات من مداخلاته:
- مجتمعاتنا تعاني للحصول على مياه الشرب النقية لهم ومياه شرب لقطعانهم .
- تم منح الأراضي التي كانت تستعمل كمراعي للإنتاج الحيواني للمزارعين. حاليا لا يوجد إطار قانوني مناسب لتيسير وتنظيم مسارات الرعي. بما أنه لا توجد قوانين فاعلة الآن تنظم هذا الأمر، الوضع متوتر في دارفور وكردفان بالتحديد، حيث أثُر انفصال جنوب السودان على مسارات الرعي. أدت هذه الصراعات إلى خسارة الآلاف من الأرواح، وكذلك إلى خسائر متعلقة بممكنات الإنتاج الحيواني. عدد كبير من الرحل بواجهوا تهديدات لسلامتهم ولا يشعرون بالأمان في المراعي. يدفعهم ذلك إلى بيع بعض من حيواناتهم بهدف شراء السلاح لحمايتهم الشخصية وحماية قطعانهم، أو إلى الهجرة إلى دول مجاورة توفر لهم خدمات وأوضاع أفضل مثل افريقيا الوسطى التي تستقبلهم ببطاقات وتأمينات صحية لهم ولماشيتهم
- ما قاعدين نلقى ارشاد حيواني بأفضل الممارسات وفي حوجة لإيجاد طرق لتعليم الأطفال في مجتمعات الرحل، والذين لا يستطيع معظمهم الحصول على التعليم الأساسي. وزارة التربية والتعليم ملتزمة لأطفالنا بتعليم حتى المستوى الرابع (او الخامس) من المرحلة الابتدائية. أطفالنا الذين لم يتعلموا يواصلون العمل كرعاة رحل، واطفالنا من تمكنوا من اكمال تعليمهم يذهبون للمدن ويشتغلون بها، اما اطفالنا من يتركون مع المستوى الرابع من التعليم، وكثير منهم يرتحل دون امتلاك أي ماشية، فجميعا يملؤون استمارة دخول الدعم السريع .
تنوعت المداخلات بعد ذلك مناقشةً جدلية الاستقرار والارتحال، وآثار كل من الصناعات الاستخراجية كالتعدين والبترول، والتغير المناخي، والفجوات المؤسسية على حياة الرعاة والرحل وأنشطتهم . اختتم اليوم بشكر الحضور بعد تدوين جميع ملاحظاتهم ومداخلاتهم. ثم رأيت في مقبل الأيام كيف عصفت رياح الدولة السودانية السياسية ، الأكثر توافقا مع التجارة والزراعة (المروية تحديدا) والرعي المستقر، منها مع الرعي المرتحل، وهوت بأولويات الرحل مثل تنظيم مسارات المراعي وتوفير الخدمات الأساسية كالمياه والتعليم إلى قاع أولويات الوكالة.
كانت المرة التالية التي رأيت فيها أبراهيم على التلفاز في الأيام الأولى من انقلاب 25 أكتوبر 2021 ، قناة الحدث حسبما أذكر ، كمتحدث من طرف المجلس العسكري الانقلابي وتحديدا الدعم السريع! تفقدت حسابه على فيسبوك قبل الحرب ووجدته يستنجد بالتنظيمات المدنية في حادثة مقتل اثنين من أبناء الرحل (بشير عبد الواحد حمدان - وعلي حسين عبود) في صباح الأول من رمضان بالحجارة والسلاح الأبيض والعصي في مشهد موثق بفيديو. الحادثة ادانتها التنسيقية العليا لبوادي وقرى الرحل بغرب جبل مره في بيان اتهمت فيه شرطة منطقة تندلتي بالتواطؤ مع القتلة. وجدته يتساءل في منشور بتاريخ 28 مارس 2023:
"اين قادة وكوادر الاحزاب والحركات وجماعات الضغط من هذا الجرائم ضد الإنسانية. لا ادانه ولا عزاء ولا مطالبه بوقف الانتهاكات ضد البدو الرحل العزل الأبرياء. اين الوطنية الانسانية الاخلاق. اين أنتم ياقوم. حسبي الله ونعم الوكيل. الانسانية لا تتجزأ البتة"
لا أعلم ان كان ابراهيم الان من حملة السلاح، ولكنني اعلم انه مصطف مع الدعم السريع في معركة الفناء هذه. يحضرني في هذه اللحظة ما كتبه مجدي الجزولي بتاريخ 22 مارس 2023:
" حاقت بالسودان في الأعوام ١٩٨٣-١٩٨٥ مجاعة متصلة كان إعلانها الرسمي بعد تلكؤ حكومي في نوفمبر ١٩٨٤، تأثر بها ما بين 8.5 الي 10 مليون شخص، أي نصف سكان البلاد وقتها تقريبا، جلهم في أقاليم السودان الغربية وفي هضاب البحر الأحمر. تأخرت مستويات الأمطار عن المتوقع منذ العام ١٩٨٠ وتدهور بذلك إنتاج الحبوب في كل مناطق الإنتاج بخاصة في مواقع الإنتاج التقليدي المطري التي توفر في العادة ٨٠٪ من حصاد الحبوب. بلغ مستوى الأمطار في موسم ١٩٨٤ ما يقدر بحوالي ٦٠٪ فقط من المتوسط وتناقص إنتاج الحبوب بذلك إلى نصف المتوسط تقريبا. بلغ إنتاج الذرة في العام ١٩٨٤ حوالي ثلث إنتاج العام ١٩٨٣، حيث قدر العجز الكلي في ذلك العام بحوالي ٣٠٪ من حاجة البلاد من الحبوب .
كان أشد الوقع على مزارعي شمال كردفان وشمال دارفور الذين خاب زرعهم بالكلية ذلك العام، الأمر الذي دفع بآلاف الأسر إلى غيهب النزوح شرقا بحثا عن المرعى أو عن ملجأ في الحضر. نزح حوالي ٣٠٠ ألف شخص في العام ١٩٨٣ من شمال دارفور إلى جنوبها، وتضاعف العدد في ١٩٨٤، كان من بينهم ممن انتهى بهم المسير في نيالا الطفل محمد حمدان دقلو. منعت النزاعات حول حقوق الأرض النازحين من شمال كردفان من بلوغ جنوبها وتوجهوا بدلا من ذلك إلى أم درمان حتي بلغ عدد النازحين المعدمين في أم درمان عام ١٩٨٤ حوالي ٤٢ ألف شخص. أما في البحر الأحمر فقد دفع الجوع وهلاك المواشي ١٠ آلاف من الرعاة البجا إلى معسكرات الإغاثة على طول الطريق بين كسلا وبورتسودان .
[…]
رصدت الهيئات الدولية توفر كميات كافية من العون الغذائي في العام ١٩٨٥ لكن حال خراب بنية النقل دون وصول هذا العون لمن يحتاجه. تكدست المعونات في بورتسودان وسبب التعطل المتكرر لآليات المناولة في الميناء في فجوة قدرها خمسة أيام بين رسو السفن وبداية عمليات التفريغ. حُملت المؤن على اللواري لنقلها من بورتسودان إلى كوستي ومن ثم عبر السكك الحديدية إلى دارفور وعبر اللواري إلى كردفان، لكن منع شح الوقود انسياب عمليات النقل كما فضلت إدارة السكة حديد بدافع الربح نقل السلع الاستهلاكية إلى المراكز الحضرية على نقل المعونات الغذائية إلى الريف الغربي الجائع. فوق ذلك، انقطع خط السكة حديد بين كوستي ونيالا في أكثر من موقع بجرف السيول .
لم يتأخر رأس المال التجاري في استغلال الفرصة التي أتاحها قرص الجوع وهزال سوء التغذية فتسابق أصحابه في جني الأرباح أضعاف مضاعفة من عقود نقل الإغاثة من كوستي إلى الأبيض. تضخمت أسعار النقل ورفض أصحاب رؤوس الأموال الرضى بسعر ثابت للنقل، والأسعار جري وطيران.
ظن الناس سوءاً بكامل عمليات الإغاثة وهم يرون أرباحها تتدفق. فنشبت في كوستي، مركز نقل الإغاثة الرئيس إلى غربي السودان، أعمال عنف تكررت على الطرق. الأمر الذي صار مبررا إضافيا لزيادة أسعار النقل. تعثرت عمليات النقل أكثر بهطول الأمطار التي ضاعفت هي الأخرى من معاناة النازحين الجوعى بانتشار الأمراض المعدية.
لم تكشف الأمطار الغزيرة في ١٩٨٥ ضر المجاعة. فمن لم ينزح عن أرضه وطلب الزراعة، لم يجد البذور. ومن وجد البذور، افتقد الحيوان للحراثة. ومن وجد الحيوان، هزمته التربة التي جرفتها المياه الغزيرة وأهلكها الاستخدام المفرط.
[…]
المجاعة دالة للعلاقة بين الغذاء والناس، وهي في جانب عظيم منها ميل في التوزيع يعكس القدرات الشرائية المتفاوتة للفئات الاجتماعية المختلفة في صراعها على الموارد المتاحة، أي أنها من حاصل السوق، وما العنف الذي نشب في كوستي وفي طرق النقل سوى احتجاج على هذا العوج. لذلك، لا يكفي كشف حساب إنتاج الحبوب في مقابل عدد السكان في شرح المجاعة فمجاعات العصر الأكثر فتكا، البنغال (١٩٤٣) ، وولو ]اثيوبيا[ (١٩٧٣) ، بنغالديش (١٩٧٤)، سطت على الناس وسط وفرة في إجمالي المحاصيل الغذائية وفي أحيان زيادة ظاهرة في الإنتاج.
تناقص إنتاج الحبوب بين الأعوام ١٩٨٠ و١٩٨٤ بالمجمل بنسبة ١٣٪، فالسؤال إذن، هل كان هذا التناقص المحدود نسبيا هو سبب أذى المجاعة الذي أصاب ١٠ ملايين من الناس؟ بحسا ب الخسائر، وقع أعظم الضرر في شمال دارفور على الرعاة، ثم مزارعي الذرة والدخن، ثم العمال الزراعيين (من وجدوا منهم عملا) ثم مزارعي المحاصيل النقدية بنسب تناقص في الذي يصل موائدهم من غذاء قدره ٨٢٪ و٨٠٪ و٧٥٪ و٦٥٪ على التوالي. تكرر ذات النمط في كردفان، لكن بوقع أشد بسبب الزيادة الأكبر في أسعار الحبوب حيث تناقص ما يصل موائد الرعاة بنسبة ٩٩٪ ومزارعي المحاصيل النقدية (الفول والسمسم) بنسبة ٩٥٪ ومزارعي الذرة والدخن بنسبة ٨٠٪. وتناقصت هذه المعدلات في البحر الأحمر بنسبة ٩٩٪ وسط الرعاة و٨٤٪ وسط مزارعي المحاصيل النقدية و٦٠٪ وسط مزارعي الحبوب و٤٨٪ وسط العمال الزراعيين.
وقع الرعاة بالذات في قبضة السوق، طلبوا بيع مواشيهم بغرض شراء الحبوب، لكن تهاوت أسعار المواشي بسبب تزايد عرضها في السوق واستغلال تجار الحبوب للحاجة الضاغطة التي تدفع الرعاة لبيع ما بيدهم بأي سعر كان. بذلك كانت حصيلة المجاعة انتقال ثروة الرعاة ككتلة اجتماعية إلى خزائن رأس المال التجاري التي عبت فيها من جهة أخرى أرباح عقود نقل الإغاثة. تجد برهان هذا النقل القسري للثروة في التناقص المطرد في متوسط عدد رؤوس الماشية المملوكة لأسرة واحدة في شمال كردفان من ٧٠٠ رأس من الضأن في ١٩٧٥ إلى ٤٠ رأس في ١٩٨٥ و١،٥ رأس في ١٩٩٢ ومن ٦٠٠ رأس من الإبل في ١٩٧٥ إلى ٤٠ رأس في ١٩٨٥ و٠،٤ رأس في ١٩٩٢. أما العمال الزراعيين فإما أفرغت العطالة موائدهم بالكامل أو فرض عليهم رأس المال التجاري أجورا ثابتة في مقابل أسعار الغذاء المتصاعدة. وخزائن رأس المال التجاري هي ربما الموارد التي تخرج منها الديكتاتورية كرة تلو الأخرى، فمثل منجزات مجاعة ١٩٨٣-١٩٨٥ يصعب تحقيقها حبا وكرامة."
(انتهى الاقتباس)
الدعم السريع بوابة كل من غلّقنا الأبواب في وجههم حتى ذهلوا عن قيمة الحياة ولعبوا معها النرد وصارت عقيدتهم "التمطر حصو ." عندما سألت نفسي من أين جاء هؤلاء ، من جعلوا هذا الممكن المظلم واقعا؟ وجدت إجابتي نحن جميعا أولئك الهؤلاء.
أجد نفسي قادرا على فهم عجز كلا الخصيمين ومن تابعهم عن رؤية مستقبل لا يتضمن انهاء وجود الاخر مهما كلف الثمن، فأشباحهم وظلالهم تلاحقهم. ولكن أجد نفسي أقرب لروح ثورة ديسمبر المحبة للحياة وخيارها ا لسلمي في التغيير أسوة بابن أدم الذي قال: " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ". أجدني أكثر إيمانا بقدرتها على تخيل واقع مختلف لا تبذل فيه الطاقة في غير اعاشة الناس وبذل حوجاتهم. فأولى مواكبها خرجت من أجل الخبز.
لا للحرب تعني لي التحرك لأجل تفريغ الطرفين من جنودهم ، بتوفير خيارات أخرى تتيح الحلم بغد أفضل عن طريق إعاشة الناس وبذل حوجاتهم. لا للحرب واقع مجيد مستعد لشرائه بأغلى ثمن... العفو.
أما الان وقت تلاشت الدولة، فأنا من ضمن فريق ظللنا نعمل لإ نشاء غرفة طوارئ للزراعة والثروة الحيوانية وصندوق لتحقيق السيادة الغذائية; حق الشعوب في الحصول على غذاء صحي وملائم ثقافيا منتج عن طريق أساليب سليمة بيئيا ومستدامة، وحقها في تحديد نظمها وسياساتها الغذائية والزراعية والرعوية بالحوار بين المنتجين والموزعين والمستهلكين بدلا عن مطالب الأسواق والشركات. يجري هذا العمل بالتنسيق بين التعاونيات، ولجان المقاومة، والأجسام المطلبية، والمراكز البحثية، والمنظمات ، والشركات ، والمسؤولين السابقين ، وكل من يجد لنفسه دورا في إ علاء قضية السيادة الغذائية .
إلى إبراهيم الضي، وكل من ينشد كسر الحلقة الشريرة، لعمري قضيتك أسمى وأنبل من قضايا عدة رفع لها السلاح في السودان، فأنتم الابعد عن رادار الدولة التنموي، والأقرب لرادار عنفها، فتارة أدوات وتارة أهداف. ولكن ما هكذا تورد الإبل! اناديك من منطلق ذات كلماتك: "هذا الجرائم ضد الإنسانية. لا إدانة ولا عزاء ولا مطالبه بوقف الانتهاكات ضد المدنيين العزل الأبرياء. اين الوطنية الانسانية الاخلاق. اين أنتم ياقوم. حسبي الله ونعم الوكيل. الانسانية لا تتجزأ البتة." هذه دعوة مباشرة أن تضع السلاح أو أن تكف عن النفخ في النار، وتلتفت الى ما فيه خير لأهلك وللناس جميعا. أفزعنا في غرفة الطوارئ وسنعاونك على صناعة دولتك التي تريد. كن المبادر بإنشاء وحدة الرعاة الرحل حتى يشارك كل من بيده إصلاح العوج لإعاشة الرحل وبذل حاجاتهم.