تجاوز الكلمات الفارغة: على العالم العمل من اجل إيقاف تدهور الوضع في السودان
28 فبراير 2024
تستمر الأوضاع الإنسانية في السودان في التدهور مع تمدد الاقتتال واستمرار العالم في عدم التعامل بشكل جاد مع الوضع في السودان لمواجهة الحالة الإنسانية المتفاقمة. يترتب على ذلك زيادة معاناة السودانيين خصوصاً فيما يتعلق بالوضع الغذائي والمجاعة المستشرية في كافة انحاء البلاد. مع اقتراب نهاية الربع الأول من العام، نجد ان الاحتياجات المادية اللازمة لتغطية الحوجة الإنسانية في مجالي التغذية والامن الغذائي هو فقط 1.7% من المطلوب بنسبة عجز تبلغ 98.3 %. فيما تتوفر نسبة 3.6% فقط من الميزانية اللازمة لتغطية الاحتياجات الإنسانية الكلية والتي تبلغ 2.7 مليار دولار بنسبة عجز تبلغ 96.4 %.
أكثر من 25 مليون من المدنيين السودانيين هم الان في حوجة ماسة الى مساعدات إنسانية اساسية، ويشمل ذلك 14 مليون طفل يحتاجون الى مساعدات منقذة للحياة. 18 مليون من المدنيين السودانيين يعيشون في حالة انعدام الامن الغذائي الحادة، وحوالي 5 مليون منهم في مرحلة الجوع الحرج، بينما يعاني 3.8 مليون طفل تحت سن الخامسة من سوء التغذية الحاد. وتشير الاحصائيات الي ان 95% من المدنيين السودانيين داخل السودان لا يتناولون وجبة واحدة كافية يومياً. بينما وصلت عدد حالات الإصابة بالكوليرا الي 11 ألف حالة.
منذ الرابع من فبراير 2024، دخلت البلاد الي حالة انقطاع كامل لخدمات الاتصالات الهاتفية وخدمات الانترنت، بعد قيام قوات الدعم السريع بإغلاق الشبكات العاملة في السودان. وهو الامر الذي فاقم من تدهور الوضع الانساني وعطل جهود تنسيق الاغاثة بالكامل وأدى الى شلل عمل أكثر من 300 مطبخ من المطابخ التكافلية في ولاية الخرطوم والتي كانت تتولى اطعام حوالي 3.5 مليون مواطن في العاصمة التي دمرتها الحرب.
في ديسمبر 2023، ادى اجتياح قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة الي تعطيل زراعة مليون فدان بالمحاصيل الغذائية، وكما أدى الي قطع سلاسل الامداد الزراعي وهو ما نتج عنه انخفاض المساحات المزروعة بالقمح بنسبة 70%. ايضا قامت قوات الدعم السريع بنهب مخازن صندوق الغذاء العالمي بشكل متكرر في دارفور والخرطوم والجزيرة بما تسبب في ايقاف عمليات الإغاثة الغذائية التي يقوم بها الصندوق. وورد في بيان صندوق الغذاء العالمي الصادر بتاريخ 28 ديسمبر 2023 ان قوات الدعم السريع قد قامت بنهب مخزون المواد الغذائية بمخازنها في ولاية الجزيرة والتي كانت مخصصة لتوفير الدعم الغذائي لعدد مليون ونصف من المدنيين السودانيين لمدة شهر كامل على الأقل، بالإضافة الي نهب المعينات الغذائية اللازمة لعلاج سوء التغذية لمجموع 20 ألف من الأطفال والنساء الحوامل والامهات المرضعات.
كما تسببت الاعمال الحربية والحصار المضروب على ولايات كردفان وبالأخص مدن كادقلي وبابنوسة والأبيض الي تدهور الأوضاع المعيشية واعداد كبيرة غير محصورة من الوفيات نتيجة للجوع والاعمال الحربية. بينما بدأت نذر المجاعة الحادة في الظهور في دارفور والتي يبقى الوضع فيها غائباً عن التقارير الدقيقة بسبب الوضع الأمني وسيطرة قوات الدعم السريع على اغلب مناطق الإقليم.
اننا في فكرة للدراسات والتنمية نرفع صوتنا بان هذه الارقام ليست تجريدا مفصولاً عن الواقع، ولكنها صرخة الي ضمير العالم لكي يصحو، والي المنظمات العاملة في المجال الإنساني بضرورة تفعيل التعامل بالجدية اللازمة مع الوضع في السودان، وعدم ربط جهود الإغاثة الإنسانية بالمسار السياسي او المواقف المختلفة من الأطراف المتحاربة. ان هذه الارقام هي لملايين من البشر يواجهون أخطار المجاعة وتفشي الأوبئة والموت المحدقة. ان العجز الذي نشاهده في تعامل العالم والمؤسسات الأممية مع الوضع في السودان، والذي لم يتجاوز حتى الان اصدار التصريحات والاعراب عن القلق هو امر فاضح ومخجل. فالسودان الان، وبكل ما تعكسه احصائيات المعاناة الإنسانية فيه، هو أكبر كارثة إنسانية في زمننا المعاصر.
اننا نعيد مطالبتنا للأمم المتحدة ووكالاتها الانسانية المختلفة بإعلان حالة المجاعة الحادة من المستوى الخامس على الصعيد القومي في السودان، وحث الدول المانحة لتوفير الاحتياجات اللازمة للتعامل مع أكبر مأساة معاناة إنسانية في الكوكب.
وكما نطالب الأمين العام للأمم المتحدة وعبر ممثله الشخصي للسودان الي استخدام صلاحياته بحسب منطوق المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لجدولة مناقشة الوضع في السودان امام مجلس الأمن واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة الإنسانية لهم.