ميناء أبو عمامة ... ما هي القصة؟

Fikra for Studies and Development 

في 13 ديسمبر 2022 وقعت الحكومة السودانية، ومجموعة مواني ابوظبي وشركة انفيكتوس للاستثمار على اتفاقية لإنشاء وتطوير وتشغيل ميناء أبو عمامة على ساحل البحر الأحمر السوداني بقيمة استثمارات تصل الي 6 مليار دولار امريكي.

وقع الاتفاق نيابة عن الحكومة السودانية وزير المالية جبريل إبراهيم، بينما وقع نيابة عن الجانب الاماراتي محمد جمعة راشد الشامسي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب شركة موانئ أبوظبي، فيما تولى التوقيع عن مجموعة انفيكتوس رئيس مجلس إدارتها اسامة داؤود عبد اللطيف.


ويرتبط رجل الأعمال السوداني أسامة داوود بعلاقات وثيقة مع حكومة أبو ظبي، وكان قد سعى في العام 2021 للتدخل في ازمة منطقة الفشقة الحدودية (وهي أراضي سودانية كانت محتلة من قبل اثيوبيا لفترة طويلة قبل ان يستعيدها الجيش السوداني في العام 2020) وذلك عبر طرحها للقسمة بين الدولتين في سياق مشروع استثماري اماراتي للزراعة في المنطقة، وهو الأمر الذي رفضته الحكومة السودانية حينها بالرغم من الضغوط الإماراتية. وكذلك شهدت فترة ما بعد انقلاب أكتوبر 2021 سعي داوود لتملك شركة زين للاتصالات وهي أكبر شركة اتصالات عاملة في السودان عبر نفس المجموعة الاستثمارية (انفكيتوس القابضة)، وهي الصفقة التي شهدت منافسة محتدمة مكتومة مع إحدى الشركات التابعة لقوات الدعم السريع التي كانت تسعى ايضاً لتملك زين للاتصالات، وذلك قبل ان تصرف شركة زين الكويتية الام النظر عن بيع زين السودان في نوفمبر 2022.

شركة (إنفكتوس هولدنج) مسجلة في الامارات، ومملوكة لاسرة داوود عبداللطيف التي تمتلك أيضا مجموعة دال الاستثمارية في السودان وتم ادراجها رسمياً في سوق أبوظبي للأوراق المالية في يونيو 2022. مقر الشركة الرسمي في مبنى (سنترال بارك) بسوق دبي، كما لها مقر آخر في المنطقة الحرة بجبل علي أكبر موانئ دبي.

أفاد بيان صحفي مشترك صادر بعد التوقيع أن اتفاق الشراكة الجديدة لانشاء الميناء يعد استثمارا مشتركا لتنفيذ عدد من المشروعات الاقتصادية في قطاعات الزراعة والصناعة والبنى التحتية والتي يتوقع أن يكون لها مردوداً على تنمية الاقتصاد الوطني ويعود بفوائد ملموسة في تنمية المجتمعات المحلية خاصة في المناطق الفقيرة والتي عانت لعهود من غياب التنمية ومشروعات البناء.

ولكن يثير الاتفاق الذي تم عقده بدون عطاء مفتوح او منافسة من شركات أخرى، كثير من الشكوك حول مدى السيطرة التي يمنحها لدولة الامارات – وهي المالك الرسمي لشركة مواني ابوظبي – على الساحل السوداني والذي يمتد على طول 700 كيلومتر على البحر الأحمر. كما ان عدم وضوح بنود التشغيل او اعلانها يثير حفيظة كثير من المجموعات القبلية المحلية، والتي يعتمد ابناءها بشكل كبير على العمل في ميناء بورتسودان. ومن جهته أعلن المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، رفضه ومقاومته للاتفاق الذي أبرمته الحكومة وشركات سودانية وإماراتية لإقامة ميناء في منطقة أبو عمامة على ساحل البحر الأحمر. فيما اعتبرت مجموعة اخرى اتفاق انشاء الميناء على انه عمالة تستوجب محاكمة موقعيه، وجريمة ضد الوطن وشعب البجا، واستكمال لمخطط استعمار الإقليم. وألمح البيان إلى وجود اتجاه داخل المجلس لمناهضة الاتفاق قانونياً، عبر الدعاوى القضائية، ذلك ”في حال عجزت المؤسسات السيادية عن القيام بدورها”. وهدد بيان المجلس انهم سوف يقاومون الاتفاق بدمائهم وبأرواحهم وبكل ما يملكون. مشدداً أن إقامة أي ميناء تستوجب “أن يكون حسب الحاجة الوطنية، والمصلحة المحلية لا حسب أغراض الدول الأخرى”. وتابع: ان أي ميناء ينشأ على البحر الأحمر السوداني يجب أن يكون ميناء فرعي أو متخصص تابع لهيئة الموانئ البحرية السودانية وتحت إدارتها بالكامل تحقيقا للسيادة الوطنية.

وفي ذات السياق قالت مبادرة القضارف للخلاص (وهي مجموعة مدنية ناشطة في شرق السودان)، إن توقيع الحكومة الانقلابية غير الشرعية؛ اتفاقية مع الإمارات لتشييد ميناء ابو عمامة على البحر الأحمر هو تفريط في السيادة الوطنية. ويأتي كحلقة ضمن مخطط إجرامي شمل تدمير ميناء بورتسودان، الذي تم إغلاقه العام الماضي لشهر ونصف بواسطة مجموعة الناظر ترك، بإيعاز من الانقلابيين البرهان وحميدتي، مما أدى إلى خسائر فادحة وإخراج الميناء من سوق الملاحة البحرية.

وأوضحت المبادرة في بيان صحفي، أن قيمة الصفقة بمبلغ إجمالي قيمته 6 مليارات دولار، هي عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، مبينة ان الاتفاقية التي تجمع بين الشركة الإماراتية وشركة أسامة داؤود والحكومة غير الشرعية، والتي صيغت بليل، تنص على بناء منطقة تجارة حرة ومشروع زراعي، غالبا بولاية نهر النيل، ووديعة في بنك السودان المركزي بقيمة 300 مليون دولار كجزء من رشوة للانقلابيين. وأضاف بيان المبادرة: (نحن في المبادرة نعلم جيدا أطماع الإمارات في اراضي الفشقة بولاية القضارف وسعيها عن طريق أسامة داؤود وشركة دال، شريكهم في الميناء المزمع، لاحتلال الارض بدعاوى الاستثمار.)، مشددة على أن أي استثمار يجب ان يتم بشفافية في ظل حكومة مدنية شرعية تمثل الشعب السوداني.

وتأتي هذه الصفقة مع شركة مواني ابوظبي لإنشاء الميناء الجديدة، بعد تعثر جهود شركة مواني دبي العالمية (وهي شركة حكومية إماراتية أخرى) للاستيلاء على إدارة ميناء بورتسودان والتي استمرت منذ 2019. وفي نوفمبر 2019 استعانت الشركة الإماراتية بشركة ضغط عالمية تسمى ( Dickens & Madson) يديرها ضابط استخبارات إسرائيلي سابق اسمه ايري بين مونشيه، لمساعدتها في تأمين الدعم العالمي لصفقة اداراتها لميناء بورتسودان. وهي نفس الشركة المتعاقدة مع الجنرال محمد حمدان دقلو – قائد قوات الدعم السريع بعقد بقيمة 6 مليون دولار تدفع مقدماً، من اجل تحسين صورته عالميا وتيسيير الصلات بينه وبين الحكومات والمؤسسات العالمية و وتقديم النصح والعمل على عرقلة السياسات والقرارات التي لا تصب في صالح حميدتي بحسب نص العقد.

وكانت شركة مواني دبي العالمية قد واجهت مصاعب بعد إيقاف الكونغرس الأمريكي لصفقة اداراتها لستة مواني أمريكية تحت ذرائع تأثير ذلك على الامن القومي، وكما واجهت صعوبات في إدارة ميناء عدن –والذي كان ثاني اكبر ميناء في العالم للتزود في الوقود، والذي حولته لمجرد محطة للتفريغ وإعادة الشحن لصالح تحويل دوره لميناء دبي- وكما واجهت مصاعب في اكتشاف استقطاعات غير قانونية من العاملين في نفس الميناء بالإضافة الي معضلات حول أجور العاملين في مواني الجزائر والعين السخنة وأيضا قامت حكومات الصومال وجيبوتي بإلغاء عقود الشركة لتشغيل موانيها باسباب مختلفة. ويبدو ان كل ذلك دفع الحكومة الإماراتية لاستبدالها بشركة مواني ابوظبي في سعيها للسيطرة على السواحل السودانية على البحر الأحمر.