الطريق الى الامام: إنقاذ الأرواح، وحماية المستضعفين، وتمكين المستجيبين في الخطوط الأمامية
مشاركة د. أمجد فريد الطيب: المدير التنفيذي لفكرة للدراسات والتنمية
في ختام مؤتمر القضايا الانسانية في السودان - 2023
هذا المؤتمر ليس حدثا...
بل هو بداية عملية نأمل أن تتجسد قريباً على أرض الواقع في شكل وسائل فعالة لتنشيط الاستجابة للأزمة الإنسانية في السودان. ولتحقيق هذه الغاية، سنحتاج إلى معالجة الثغرات الخطيرة التي تعيق تقديم المساعدات الإنسانية بشكل فعال لأكبر أزمة إنسانية في العالم بعد مرور 7 أشهر على اندلاع الحرب في السودان.
الأرقام تتحدث عن نفسها:
قُتل آلاف المدنيين أثناء تبادل إطلاق النار.
7.5مليون نازح ولاجئ.
25مليون شخص على حافة المجاعة.
19مليون طفل خارج المدرسة.
هناك عدد لا يحصى من المدنيين محاصرون في مناطق القتال في دارفور والخرطوم دون أن يتمكنوا من الحصول على الغذاء أو الماء أو الرعاية الصحية أو أية احتياجات أساسية أخرى.
في هذا العرض السريع، سأتناول بعض النقاط التي آمل أن تساعد في تشكيل الطريق إلى الأمام.
إن وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين ليست مسائل قابلة للتفاوض، بل هي حقوق مكفولة للمدنيين في حالة الحرب بموجب القوانين الإنسانية الدولية واتفاقيات جنيف. إن السماح للأطراف المتحاربة بالتفاوض على ما توافقت عليه الإنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية هو أمر غير مقبول. وهو يمنحهم الفرصة لاستخدام انتهاكاتهم كورقة ضغط للمناورات السياسية وتحقيق مكاسب عسكرية.
هذا الامر يجب ان يتوقف!
ينبغي أن تكون ترتيبات تقديم المساعدة الإنسانية منفصلة ومستقلة عن جميع المناقشات العسكرية والسياسية. هذه حقوق أساسية للمدنيين، وليست كروت ضغط، ولا يجوز استخدامها كسلاح. علاوة على ذلك، يجب أن تتم هذه الترتيبات على الأرض. ترتيبات الوصول الانساني لا يمكن أن تحدث من الخارج ولا يمكن أن تحدث بالوكالة. يتعين على منظمات الإغاثة الدولية المختلفة أن تكون حاضرة في مناطق النزاع وأن تجري اتصالات مباشرة مع الأطراف المتحاربة على الأرض لضمان وصول المساعدات الي من هم في حوجة اليها. كما ان وجودهم على الارض سيوفر بعض الحماية للمدنيين حيث أن الأطراف المتحاربة ستتجنب ارتكاب نفس المستوى من الانتهاكات أمامهم. ولدينا تجربة اليوناميد، على سبيل المثال.
ينبغي ضمان تمثيل المدنيين في ترتيبات إيصال المساعدات الإنسانية. لكن أي مدنيين؟
بالطبع، لست أنا ولا أي شخص من الطبقة السياسية، ولكن من يجب تمثيلهم هم المستجيبين في غرف الطوارئ، والمبادرات الشبابية الاخرى، والنقابات المنتخبة، والجهات الفاعلة الأخرى الموجودة على الأرض لتقديم المساعدة للمحتاجين بأقل قدر من الموارد وتحت مضايقات مستمرة من جميع الجهات. يجب أن تكون حماية وتمكين هذه الجهات القاعدية الفاعلة على رأس قائمة الأولويات.
انني أكرر مرة اخرى أن المناقشات والالتزامات الإنسانية لا يجب أن تستخدم لتحقيق أي مكاسب سياسية أو أن تكون ورقة مساومة لدى أي جهة ، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية. العون الانساني يجب أن يتم فقط. وقد تأخر كثيراً حتى الان.
التوطين: منذ بداية الحرب، ظل المتطوعون المحليون وغرف الطوارئ هم أول المستجيبين. لقد أظهروا شجاعة وإبداعًا لا يصدقان في الاستجابة للأزمة. قاموا بإجلاء الأشخاص المحاصرين في مناطق القتال، وفتح الممرات لإيصال المساعدات، والمساعدة في إعادة فتح وإنشاء المرافق الصحية، وتوصيل الغذاء والمياه والاحتياجات الأساسية. من الاستحالة التخطيط لعملية معونة إنسانية فعالة دون أن يكون هؤلاء المتطوعين والكيانات وتجاربهم والدروس المستفادة من الأشهر السبعة الماضية في قلب العملية.
إن هيكلة العمل الانساني قبل الحرب تحتاج الي التكيف والمواءمة لتكون أكثر قدرة على الاستجابة للأزمة في السودان.
وهنا نقترح إنشاء آلية تنسيق تكون بمثابة منصة للتعاون الفعال ورابط مستدام بين المبادرات المحلية والفاعلين الدوليين. وسيخدم هذا أيضًا غرض تسهيل تبادل المهارات والمعلومات بين مختلف الجهات الفاعلة.
علينا أن نتذكر أن كل موقف صعب هو ايضاً فرصة للتعلم. وبما أننا نحتاج إلى أن تكون المجتمعات المتأثرة قادرة على الصمود، نحتاج أيضًا إلى أن تكون منظمات الإغاثة مرنة ومنفتحة للتعلم من الخبرة العملية. لا يمكن أن يكون العمل الإنساني روتينيًا، ولا يمكن التعامل مع الوضع في السودان كالمعتاد.
اللامركزية: السودان كبير جدًا، ومنطقة الصراع شاسعة، وهناك استجابات مختلفة في المناطق المختلفة، اعتمادًا على الظروف المحلية. لا توجد طريقة عملية لمركزية الاستجابة. ومحاولة إضفاء الطابع المركزي على الجهود الإنسانية التي تبذلها غرف الطوارئ لن تؤدي إلا إلى تقليل فعاليتها. إن إبداع المستجيبين المحليين في معالجة الأزمة والاحتياجات في مواقعهم يستحق الثناء.
ومن الركائز الأساسية المهمة هو ضمان استمرار غرف الطوارئ في الحفاظ على حيادها. غرف الطوارئ والمبادرات المحلية هي التي تقدم أفضل مساعدة ممكنة لكل من هو في حاجة إليها الآن. ومن الضروري أن نحمي ذلك جميعا ونبعدهم عن أي ظلال سياسية.
نحن نقدم هذه الاقتراحات باعتبارها أبرز النقاط الأساسية. وستواصل اللجنة التحضيرية للمؤتمر وفرق العمل الفنية خلال الأيام المقبلة جهودها في التواصل مع كافة المشاركين من أجل وضع إطار عملي وخطة واقعية لتجسيد هذه التوصيات. وستتضمن هذه الخطة، التي سيتم مشاركتها مع جميع أصحاب المصلحة، تقييمًا تفصيليًا للمتطلبات والجداول الزمنية المقترحة وإطارًا منطقيًا لتنشيط الاستجابة للأزمة الإنسانية في السودان.
يهدف هذا المؤتمر إلى إطلاق العنان للآمال من أجل استجابة إنسانية أفضل في السودان ويكون بمثابة تذكير بأن جهودنا الدولية المشتركة ليس من المفترض أن تقودنا إلى الجنة ولكن من المفترض أن تنقذنا من الجحيم.
حفظ الله السودان وشعب السودان